ابدأ وصَحِّح على الطريق
في كثيرٍ من الأحيان يُطرَح للنِّقاش مشاريع اجتماعيَّة أو ثقافيَّة توثيقيَّة أو حتى تجاريَّة، وتبدو للوهلة الأولى أنَّها مُهمَّة ومطلوبة، ولكن غالبًا تُنْسَى أو لا ترى النور من باب العمل على اكتمال الفكرة وبلورتها أو العمل على تجميع كافَّة العناصر المطلوبة لتنفيذها، أو الحرص على إظهارها بأفضل وجهٍ، ولكن الحقيقة أنها تموت وهي في هذا المخاض، لذلك أرى من الأهميَّة تقدير حجم الكمال المطلوب مقارنةً مع ضرورته في ولادة المشروع، وأن لا يكون سببًا في فقدانه، ولا بأس من التقويم والاستكمال في مراحل متأخرة، وفي هذا السياق كانت المبادرة في إطلاق الكتاب الأول "تجربتي لحياة أفضل"، وأنا على عِلْم أنه يحتاج لاحقًا إلى تقويم وتصحيح، وبعد المراجعات البسيطة تبين لي مجموعة من الملاحظات والاستنتاجات أحببتُ أن أكتبها ربما تكون دافعًا للكتابة عند البعض؛ وهي كالتَّالي:
1. الكتابة تُعطي دافعًا كبيرًا للقراءة.
2. الكتابة تحتاج إلى صفاء وهدوء، ويتحقّق هذا في ساعات الصباح الأولى، مما يجعل الكاتب يهتم بالاستيقاظ باكرًا قبل الدُّخول في صَخْب الحياة اليوميَّة.
3. بما أن الكتاب يحتوي على مادة تحفيزيَّة لبعض القِيَم وتطوير الذَّات؛ فإنَّ الكاتب يعمل على الالتزام بها أولًا.
4. ٤الاهتمام بصَرْف الوقت نحو الكتابة، سوف يؤدِّي بشكلٍ تلقائيّ إلى عدم الاهتمام في مشاهدة التلفاز، ومتابعة برامج التَّواصل الاجتماعيّ.
5. تحرِّي دقَّة المعلومة تحثّ الكاتب على الخَوْض في آليَّات البحث في المواقع المعرفيَّة مثل غوغل ومراجع أخرى، ممَّا يزيد من ثقافة ومعرفة الكاتب.
6. دُور النَّشر وآليَّة التَّعامُل معهم خبرة بحَدّ ذاتها.
7. إضفاء صفة المؤلّف أو الكاتب تعطي صبغة خاصَّة لصاحبها وتقديرًا أو احترامًا مُميّزًا عند الآخرين، وكأنَّه شخص آخر عما كان عليه، ومَهْمَا كان الكتاب مُهمًّا سوف يَبْقى ضمن منظومة القبول والاستحسان عند البعض، ومكان انتقاد عند الآخرين، والعكسُ صحيحٌ.
8. (العنوان، المقدّمة، الفهرس، اسم الناشر، تصميم الغلاف، لمحة عن الكاتب). كلها عناصر مُهمَّة تلعب دورًا في جَذْب القارئ للكتاب أو العكس.
9. تمَّ الحديث كثيرًا عن الكتاب الإلكتروني، وبلا شك أخذ حيِّزًا كبيرًا من عالَم الكتاب، ولكن تبقى النُّسْخَة الورقيَّة من الكتب لها عالمها وجمهورها من القُرّاء.
إضافةً إلى أعلاه تبيّن لي أن القارئ ذا المعرفة النحويَّة سوف يتعكر مزاجه بوجود أخطاء نحويَّة بالكتاب قد يَغْفرها المحتوى، مع ذلك فإنَّ الكتابة لا تحتاج إلى أديب أو لغوي ضليع، وسوف يجد الكاتب مَن يساعده في هذا السياق، واستمرار الكتابة يؤدِّي إلى تحسن الأداء من الكاتب، ولكنَّ المهمّ أن يكون عنده مادة مُميَّزة يقدِّمها أو تجربة يطرحها للآخرين.
نجاح الكتاب يَتْبع لعناصر كثيرة أهمّها المحتوى، ومن ثَم دار النشر وقُوّتها واحتمالات النجاح تبقى ضعيفة جدًّا وقد لا تتجاوز ٢٪، ومع ذلك كثير من الكُتّاب يستمرون بالكتابة في إصدارات متلاحقة، ولم يقفوا عند الكتاب الأول والنَّجاح قد يكون في الإصدار الخامس أو العاشر.
هناك أشخاص كثيرون لديهم محتوى مُهمّ ومادَّة من الضَّروريّ تدوينها ونشرها، ولكن ينتظرون الكمال أو الجرأة للانطلاق، ونصيحتي لهؤلاء: "ابدأ وصَحِّح على الطريق".
أخيرًا يحضرني قول أحد المحدثين: "كم أماتت رغبةُ الكمال إنجازَ كثيرٍ من جليل الأعمال، كما أمات التراخي والتسويف كثيرًا من فريد التآليف".